- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠3العقيدة من مفهوم القرآن والسنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
درس اليوم :
أيها الأخوة الكرام, مع الدرس السادس من دروس العقيدة الإسلامية.
تحدثنا في درس سابق عن معنى لا إله إلا الله، وتحدثنا في الدرس قبل السابق عن معنى رب العالمين، وكيف أن المؤمن يؤمن بالربوبية ويؤمن بالألوهية، واليوم الحديث عن شهادة لا إله إلا الله، وهي كلمة الإسلام الأولى، وقد جمعت في هذه الكلمة مبادئ العقيدة الأساسية بأكملها.
ما ملخص دعوة الأنبياء؟ :
أيها الأخوة الكرام, بادئ ذي بدء: أن الله سبحانه وتعالى لخص في القرآن الكريم دعوة جميع الأنبياء من دون استثناء، فقال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
فالإسلام: عقيدة, وشريعة، إيمان, وعمل، العقيدة ملخصة بلا إله إلا الله، والعمل ملخص بالعبادة، لذلك قالوا: نهاية العلم لا إله إلا الله، ونهاية العمل عبادة الله، فمن عرف أنه لا إله إلا الله وعبده, فقد حقق المراد من وجوده، وحقق الهدف من خلقه:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾
والعبادة كما تكلمت في دروس سابقة بالمفهوم الواسع لا بالمفهوم الضيق: غاية محبة الله، وغاية الخضوع له، وغاية التقرب إليه، وغاية التوكل عليه، طاعة طوعية, ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، وهي علة وجودنا.
ما مضامين هذه الأمثلة؟ :
وللتوضيح نمثِّل: بتاجر يسافر إلى بلد أجنبي كي يعقد صفقة، ويعقد على هذه الصفقة كل الآمال، فإذا سافر إلى هذا البلد, كانت علة وجوده في هذا البلد, أن يعقد هذه الصفقة، وإلا لا معنى لوجوده، ولا معنى لتجشم مشاق السفر, ولا معنى لدفع نفقات السفر، علة وجوده أن يعقد هذه الصفقة، والطالب الموجود في بلد لينال الدكتوراه, علة وجوده تحصيل هذه الشهادة.
أدق فكرة: أنك حينما تكون واعياً لعلة وجودك في أي مكان, تأتي حركتك صحيحة، بل إن أدق أدق الجزئيات في حركتك اليومية, ينبغي أن ترتبط بهدفك الكبير، كيف؟ ذكرت هذا سابقاً:
أنت في باريس من أجل نيل الدكتوراه, كل حركة من حركاتك متعلقة بهدفك، تبحث عن بيت قريب من الجامعة، تصاحب صديقاً يتقن الفرنسية، تشتري مجلة تتعلق باختصاصك ، تذهب إلى المعرض من أجل أن ترى الإنجازات العلمية مما تتعلق به دراستك، فكل حركة ، وكل سكنة متعلقة بهذا الهدف الكبير، فنحن في الأرض علة وجودنا عبادة الله، أي أن نعرفه، ثم نعبده، ثم نسعد بقربه.
الحقيقة الدقيقة: أن علة خلقنا أن نسعد، خلافاً لما يتوهم معظم الناس، ومعظم الناس يتوهم أن الله خلقنا ليعذبنا، يرى مصائب، وأمراضًا، وحروبًا، وفتنًا، ودمارًا، وقتلاً، واضطهادًا، فيتوهم خطأ كما يوسوس له الشيطان أن الله خلقنا ليعذبنا، تماماً كطالب في مدرسة قصر تقصيراً شديداً، فأنزلت به بعض العقوبات فقال: إن هذه المدرسة إنما أنشئت لتعذيب الطلاب، لا يا سيدي، إنما أنشئت لتعليم الطلاب، أنشئت لتهذيبهم، أنشئت ليكونوا قادة لأمة، أنشئت ليكونوا الطلاب علماء، أنشئت ليكونوا الطلاب أخلاقيين، هذه أهدافها الكبيرة، أما إذا قصر الطالب, أو سمح لنفسه أن يقصر، أو أن يعتدي على غيره, تنزل به العقوبات، ولكن ليس الأصل في هذه المؤسسة إيقاع العقوبات بالطلاب، الأصل: التعليم والتهذيب والتربية.
لم خلقنا الله؟ :
الله عز وجل قال:
﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
خلقهم ليرحمهم، خلقهم ليسعدهم، خلقهم لينعموا بجنة عرضها السموات والأرض:
﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾
هذا هو الاتجاه الصحيح في الدين، ولو كنت في آخر الزمان، ولو رأيت المصائب تترا على المسلمين، ينبغي ألا تتزعزع عقيدتك من أن الله خلق عباده ليسعدهم، لكنهم عصوه ، لكنهم تفلتوا من منهجه.
من أركان التوحيد :
أيها الأخوة الكرام, كلمة التوحيد لا إله إلا الله فيها ركنان؛ فيها نفي لا إله، وفيها إثبات إلا الله.
لا إله، هذه لا نافية للجنس، كيف؟ لو أن جاراً لك طرق بابك ليلاً, قال لك: أعندك رغيف خبز؟ إذا قلت له: لا خبزٌ عندي، هذا شيء، وإن قلت له: لا خبزَ عندي شيء آخر، إذا قلت: لا خبزَ عندي, فـ لا هنا نافية للجنس، أي ليس عنده خبز، ولا كعك، ولا قمح، جنس القمح ومشتقاته ليست عنده، أما إذا قال: لا خبزٌ عندي، هذه لا يسميها النحاة لا الحجازية، تنفي المفرد، ولا تنفي الجنس، أي إذا قلنا: لا طالبٌ في الصف، بل طالبان، نفينا ماذا؟ المفرد أما: لا طالبَ في الصف، بل طالبة, نفينا الجنس، فهذه لا في: لا إله للجنس أم للمفرد؟ للجنس ، أي ليس في الكون إله إلا الله، لا معطي ولا مانع، ولا رازق، ولا خافض ولا رافع، ولا معز ولا مذل، ولا متصرف إلا الله، لا إله إلا الله، الله علم على الذات، صاحب الأسماء الحسنى، والصفات الفضلى، الله واجب الوجود، وما سواه ممكن الوجود، إذاً هناك نفي وإثبات ، لا إله إلا الله.
هذه الكلمة خفيفة على اللسان، لكنها ثقيلة في الميزان، خفيفة على اللسان، لا إله إلا الله, أما هي فثقيلة في الميزان، إذا أيقنت بمعناها الدقيق، وأنه لا معبود بحق إلا الله، ولا أحد يستحق العبودية إلا الله، لكنت في منجاة من هموم ساحقة لا تنتهي.
أيها الأخوة الكرام, أركان هذه الكلمة نفي وإثبات، لا إله إلا الله.
ما حق الله علينا وما حق العباد على الله؟ :
الحديث الذي تعرفونه، والذي أردده كثيراً، فعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
((كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ, يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ, فَقَالَ: يَا مُعَاذُ, هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ, وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا.
-الله له حق عليك؛ أن تعبده، أن تطيعه، أن تأتمر بأمره، أن تنتهي عما عنه نهاك، أن تتوكل عليه، أن تتوجه إليه، أن تثق به، أن تحبه، حق الله على عباده أن يعبدوه، فسأله مرة ثانية-:
ثُمَّ سَارَ سَاعَةً, ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ, قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ, فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟.
-والله لو لم يكن في السنة إلا هذا الحديث لكفى، هذا الحديث يملأ قلب المؤمن طمأنينة، ويملأ قلب المؤمن ثقة بالله عز وجل-.
قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ))
أنت معك ضمانة من الله ألا يعذبك إذا عبدته.
أنت بين التولي والتخلي :
أيها الأخوة, وبشكل مختصر ما دمت تحت مظلة الله عز وجل فأنت في أمن وسلام، مختصر ما دمت تحت مظلة الله عز وجل فأنت في بحبوحة، مختصر ما دمت تحت مظلة الله عز وجل فأنت في حمى الله، لذلك إذا قلت: الله تولاك الله عز وجل، وإذا قلت: أنا تخلى الله عنك، وأنت بين التولي والتخلي, قل: أنا ولو كنت صحابياً لتخلى الله عنك، لن نغلب من قلة، تخلى الله عنهم:
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾
في بدر قالوا: الله فتولاهم الله، هذا الامتحان تمتحن به كل يوم، تقول: أنا ابن عائلة، خير إن شاء الله، تقول: أنا معي شهادة عليا، أنا تاجر، ترتكب حماقة بالتجارة فتفلس، حينما تعزو قدراتك إلى ذاتك, فقد وقعت في الشرك الخفي، في أيّ مجال؛ إن كان في العمل الجراحي، إن كان بالدعوة إلى الله، إن كان بالخطابة، إن كان بالتدريس، إن كان بالصناعة.
قصة :
أخ من أخواننا, يكاد يكون الأول في إصلاح الحواسيب الصناعية، وقضاياه سهلة جداً ، متفوق تفوقاً كبيراً، مرة طلبه معمل فطلب مبلغاً، فصاحب المعمل بالغ في محاككته, فتضايق منه, قال له: هذا المبلغ لا آخذ أقل منه، أنا لست بحاجة إليك، أنت بحاجة إلي، وانصرف، بعد يوم اتصل به صاحب المعمل، وقال له: تعال وأصلح هذا الحاسب، قال لي: بالعادة ساعة وتحل معي المشكلة، مرت ساعة، ساعتان، ثلاث، أربع، ثماني ساعات، مضى النهار، والطريق مغلق، ثاني يوم، ثالث يوم، رابع يوم، خامس يوم، سادس يوم، سابع يوم، ولم يصلح، الطريق مغلق، قال له: أريد أن أغيب يوماً، قال لي: غبت يوماً وراجعت نفسي، أنا ماذا فعلت؟ ما الذي قلته, وليس فيه أدب مع الله, حتى أستحق هذا الإغلاق؟ تذكر أنه قال له : أنا لست بحاجة إليك، لكنك بحاجة إلي، اعتد، استغفر، واسترجع، وتاب، ودفع صدقة، فثاني في يوم ربع ساعة انحلت المشكلة، بأي مجال تقول: أنا يتخلى عنك، قل الله يتولاك، أنت بين التولي والتخلي.
متى يتولى الله العبد؟ :
أيها الأخوة، لمجرد أن تقول الله, وأن تعبده, فأنت في حمايته, وأنت في رعايته, وأنت تحت مظلته، وأنت لك معاملة متميزة، والله عز وجل يتولاك بالرعاية, والتوفيق, والتأييد, والنجاح، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾
معهم بالتوفيق، ومعهم بالتأييد، ومعهم بالنصر، ومعهم بالحفظ، يحفظك, ويؤيدك, و ينصرك, ويتولاك.
إذاً: هناك ضمان من الله أننا إذا عبدناه لن يعذبنا، لنا حق على الله بشرط أن نعبده ألاّ يعذبنا.
من شروط لا إله إلا الله :
1-العلم بها :
أيها الأخوة: هذه أركانها, فما شروطها؟ الشرط الأول لكلمة لا إله إلا الله: العلم بها، لا يقبل الله من إنسان عقيدة بالتقليد، ولو كانت صحيحة، لأنك إذا قلدت في العقيدة تكون مقاومتك هشة، لا تصمد أمام إغراء وضغط، أقل إغراء يخرجك عن طاعة الله، وأقل ضغط يخرجك عن طاعة الله، أما إذا بنيت عقيدتك على علم, وعلى بحث, وعلى درس, وعلى دليل, وعلى فقه, هذا الإيمان المطلوب، الإيمان التقليدي مرفوض، بل لو أن الله قبل من عباده عقيدة بالتقليد, لكانت كل الفرق الضالة على حق، وناجية عند الله، أليس كذلك؟ ماذا يقولون يوم القيامة؟ يا رب سمعنا فلاناً يقول فصدقناه، نحن قلدناه، لا تقبل عقيدة التوحيد تقليداً، لا تقبل إلا تحقيقاً، لا تقبل إلا عن بحث ودرس، لا تقبل عن استسلام ساذج، لا تقبل إلا عن علم.
ما العلاقة في هذه الآية: -فاعلم أنه لا إله إلا الله- وبين:-واستغفر لذنبك- :
والدليل:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾
الحقيقة: يوجد علاقة رائعة بين قوله تعالى:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله﴾
وبيــن:
﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾
من رأى شيئاً يسره فليحمد الله، ومن رأى غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فليستغفر ربه ، هل ترى هذه الحقيقة؟ لا تدع يأساً، ولا حقداً، ولا قهراً، إن جاءت الأمور كما تتمنى فاحمد الله، وإن لم تأت كما تتمنى فاستغفر لذنبك،
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾
الأمر بيد الله عز وجل.
وهم طرق في أذهان بعض المسلمين :
الآن يحلو لبعض المسلمين أن يقول: هناك مؤامرات كبيرة على المسلمين، الدول الغربية دول قوية جداً، ودول معها أسلحة مخيفة، ومعها الإعلام، ومعها الاقتصاد، ومعها أسلحة، ونحن ضعفاء، ماذا نفعل؟.
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾
الأمر بيد الله، لا بيد الغربيين، ولا بيد وحيد القرن، ولا بيد الموساد، ولا بيد الصهيونية العالمية، بيد الله عز وجل، وكلنا عباده، فإذا كنا نعاني من مشكلة كبيرة فلنستغفر لذنوبنا، لأنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة، على مستوى أفراد, وعلى مستوى جماعات، ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة.
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾
النقطة الدقيقة: أن عقيدة التوحيد لا تقبل تقليداً، لا تقبل إلا تحقيقاً وبحثاً ودرساً.
قف عند هذا الموطن :
الدليل الثاني في صحيح مسلم: عَنْ عُثْمَانَ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ))
ويوجد حديث آخر رواه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ))
اليقين لا يحتمل الريب أبداً :
أيها الأخوة, أحياناً عندك عقيدة لا بأس بها، لكن لست متأكداً، لا يوجد يقين، قال الشاعر:
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأموات قلت إليكما
أي لا يوجد آخرة:
إن صح قولهما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
هذا في ريب، اليقين لا يحتمل الريب أبداً، اليقين قطعي، يوجد وهم ثلاثين بالمئة، يوجد شك خمسين بالمئة، يوجد ظن ثمانين بالمئة، يوجد غلبة ظن تسعين بالمئة، هذا كله يتناقض مع الإيمان، الإيمان قطع بالمئة مليون، فلا يكفي أن أكون مؤمناً، ولكن لست متأكداً، ينبغي أن أكون مؤمناً يقيناً، يقيناً قطعياً، والدليل أن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾
لم يرتابوا:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
باليقينيات.
انظر إلى هذه الهجمة الشرسة ضد المسلمين اليوم :
قد تجد العالم كله يحارب المسلمين، أينما ذهبت إلى أي مكان بالأرض المسلم محارب, هل يتضعضع يقينك أن هذا الدين ليس دين حق؟ لا والله، هو الدين الحق، وهو الدين الذي سيظهره الله على الدين كله، ولو كره الكافرون، هذا هو الدين الحق، ولو أن أهل الأرض جميعاً حاربوه لأنه دين الحق يحارب.
متى يدخل العبد الجنة؟ :
وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
((كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ, فَنَفِدَتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ, فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ, لَا يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا, إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ))
العلم واليقين.
أحياناً تسأل طالباً سؤالاً, يأتيك بالجواب الصحيح, قد تشعر كفاحص, أن هذا الجواب الصحيح رمية من غير رام، وقد تشعر أنه قالها صدفة، فتحاول أن تغالطه، فإذا كان غير متأكد سريعاً ما يتخلى، يتكلم كلاماً آخراً خطأ، معنى ذلك لا يكفي أن تأتي بالصحيح، ينبغي أن تكون متأكداً، كثيراً بالفحوص الشفهية يشعر الفاحص أن الطالب أجاب إجابة صحيحة، لكنه غير متأكد، مضطرب، فالأستاذ يسأله سؤالاً آخراً كيف؟ مباشرة يتخلى عن إجابته الصحيحة، وينحو منحى خطأ، معنى أجاب إجابة صحيحة، لكنه غير متأكد، غير متيقن، فلا يكفي أن تعلم أنه لا إله إلا الله، أن تقول: لا إله إلا الله، ولو كنت تحت سياط الجلادين، كسيدنا بلال الحبشي، كان يقول: أحَد أحَدٌ، وهو يتلقى التعذيب، أن تؤمن أنه لا إله إلا الله، وأمامك سبائك الذهب اللامعة, تقول: معاذ الله أن أخون ديني، وأن تقول: لا إله إلا الله, وأنت تحت سياط الجلادين اللاذعة، هذا الإيمان الذي يصمد أمام الإغراء تارة، وأمام الضغط تارة أخرى.
2- أن تكون مخلصاً في النطق بها :
شروط هذه الكلمة كلمة التوحيد، كلمة الإسلام الأولى لا إله إلا الله: أن تكون مخلصاً في النطق بها، والإخلاص من أين يؤتى؟ من أين يشترى الإخلاص؟.
لو أن شخصاً, سأل طبيباً متفوقاً جداً, قال له: بربك لي عندك طلب صغير جداً، قال له: تفضل، قال له: علمني كيف أكتب الوصفة؟ تبسم الطبيب, قال له: كتابة الوصفة محصلة كتابة ثلاث وثلاثين سنة، بعد دراسة ثلاثاً وثلاثين سنة, تكتب للمريض وصفة صحيحة، فهذا الأخ طلب شيئاً بسيطاً جداً، فقط يتعلم كيف يكتب الوصفة، فالإخلاص محصلة إيمانك كله، محصلة جهاد نفسك وهواك، محصلة صلاتك، محصلة توحيدك وإيمانك بالربوبية، محصلة عملك الصالح، الإخلاص نهاية النهاية، الإخلاص كيف أن سعر العملة يقيد اقتصاد أمة، العملة سعرها يعبر عن اقتصاد أمة، النمو الاقتصادي, والتصنيع, والتجارة الرابحة, والتصدير، كل هذه العوامل ملخصة بسعر العملة، فلذلك محصلة دينك كله: إخلاصك لله عز وجل.
من علامة إخلاصك :
بالمناسبة: المخلص لا يتأثر بالمديح إيجاباً، ولا يتأثر بالذم سلباً، يبتغي وجه الله، ولا يعبأ، أمدح أم لم يمدح:
﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً﴾
والمخلص لا يتغير عمله في خلوة عن جلوة، هو في الخلوة وفق منهج الله، ومع الناس وفق منهج الله، لا يتغير سلوكه بإقامة أو بسفر.
قال لي شخص: يوجد إنسان دينه جغرافي، أي في بلده منضبط، أما إذا سافر إلى بلاد أخرى لا ينضبط، فعلامة الإخلاص: ألاّ يتبدل عملك لا بالمكان, ولا بالزمان، ولا بالخلوة, ولا بالجلوة، ولا بالمديح, ولا بالذم، علامة إخلاصك: أنك إذا عملت عملاً يرضي الله, شعرت بالسكينة في قلبك، لأن الله أعاد عليك إخلاصك, سكينة ألقاها في قلبك.
من عدم الإخلاص :
من تعلم العلم ليجادل به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه, فليتجهز إلى النار.
أحياناً يتكلم أخوك كلاماً طيباً, أنت أصبحت بالتعتيم, فلا بد من أن تعارضه كي تثبت شخصيتك في المجلس، موضوع الحق لم يخطر في بالك إطلاقاً، موضوع أنه أنا موجود، فأكثر الاعتراضات تكون من إنسان غير مخلص.
قال سيدنا الصديق لسيدنا عمر: يا عمر ابسط يدك لأبايعك، قال له: أنا!؟ أي أرض تقلني, وأي سماء تظلني, إذا كنت أميراً على قوم فيهم أبو بكر، قال له: يا عمر أنت أقوى مني ، قال له: يا خليفة رسول الله أنت أفضل مني، فقال له عمر: قوتي على فضلك نتعاون.
من منعكسات الإخلاص :
أخواننا الكرام, الإخلاص له منعكسات رائعة، أحد منعكساته التعاون، أحد منعكساته التواضع، أحد منعكساته حمل هم المسلمين، أحد منعكساته أن المخلص يضحي بمصلحته الخاصة مقابل مصالح المسلمين العام، هذا المخلص.
أنواع العبادة :
قال تعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ﴾
العبادة نوعان؛ عبادة الجوارح، وعبادة القلب، عبادة الجوارح أن تصلي، وأن تصوم، وأن تحج، وأن تزكي، وأن تغض البصر، وعبادة القلب الإخلاص، الإخلاص ينفع معه كثير العمل وقليله، وعدم الإخلاص لا ينفع معه لا كثيره ولا قليله، الإنسان دون أن ينتبه, بفلتة لسان يشف عن عدم إخلاصه، إذا كانت له مكانة معينة في مجتمع، وظهر من بيته مخالفة شرعية, لا يتألم أن هناك مخالفة، ماذا يقول الناس عني فقط؟ لو أن هذه المخالفة ارتكبت دون أن يعلم الناس بها, فلا مشكلة عنده أبداً، المشكلة ماذا يقول الناس عني؟ هذا عدم إخلاص.
صلى إنسان خلف الإمام في الصف الأول، وأدرك التكبيرة الأولى أربعين عامًا في صلاة الفجر، فلما فاتته الصلاة في المسجد في أحد الأيام, تألم ألماً لا حدود له، قال: ماذا يقول الناس عني في هذا اليوم؟ معنى ذلك أن عمل أربعين عامًا لا قيمة له عند الله، فشتان بين أن تعمل للناس، وبين أن تعمل لله، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
إليكم الدليل من السنة على أنه من شروط لا إله إلا الله الإخلاص :
أيها الأخوة, إضافة إلى الدليل القرآني على أن الإخلاص من شروط لا إله إلا الله, هناك دليل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففي حديث البخاري: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:
((قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ, لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْحَدِيثِ, أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ, مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ))
ورد أيضاً: أنه من قال:
((لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله))
وفي صحيح الإمام مسلم: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ))
العلم، واليقين، والإخلاص، حتى تصح تكون هذه الكلمة محور عقيدتنا، ومحور إيماننا.